تشهد كرة القدم الجزائرية في الفترة الأخيرة توجها لافتا نحو المدرسة الألمانية في التدريب، بعد النجاحات الملحوظة التي بصم عليها مدربان ألمانيان على رأس فريقين من أكبر الأندية في الجزائر، ما جعل “التقني الألماني” يتحوّل إلى خيار جذاب للعديد من الإدارات الساعية لإحداث طفرة على مستوى الأداء والنتائج.
لم يكن الكثيرون يتوقعون أن تُبعث شبيبة القبائل من جديد بعد بداية متذبذبة مع المدرب عبد الحق بن شيخة، الذي لم يتمكن من قيادة الفريق لتحقيق الانطلاقة المرجوة، مكتفيا بـ8 انتصارات، 3 تعادلات و4 هزائم في 15 مباراة. في وقت حساس من الموسم، قرر بن شيخة الاستقالة من منصبه بحجة عدم تحمّله للضغوط المسلطة عليه، تاركا الفريق قبل مواجهة اتحاد الحراش في كأس الجمهورية، والتي عرفت لاحقا إقصاء الشبيبة من المسابقة على أرضها وأمام جماهيرها.
لكن التحوّل الجذري حصل مع قدوم جوزيف زينباور، الذي استطاع في ظرف وجيز إعادة الروح لـ”الكناري” واستنهاض قدرات اللاعبين. بصمات المدرب الألماني كانت واضحة، حيث سجّل الفريق معه 9 انتصارات، 4 تعادلات وخسارتين فقط في نفس عدد المباريات (15 مباراة)، وبلغ هدفه الأكبر بالتأهل إلى دوري أبطال إفريقيا، بعد صراع شرس على اللقب المحلي.
أسلوب لعب أكثر تنظيما، انضباط تكتيكي صارم، وتحفيز نفسي واضح… كلها عوامل ساهمت في التغيير الجذري الذي عرفته الشبيبة، وأعادت للجماهير الأمل بعد سنوات من التذبذب.
التجربة الثانية التي سلطت الضوء على الكفاءة الألمانية، كانت مع سعد راموفيتش، مدرب شباب بلوزداد. الفريق البلوزدادي دخل الموسم في وضعية حرجة تحت إشراف الفرنسي كورنتان مارتينس، الذي لم يحقق أي انتصار في أول 4 مباريات بالدوري، قبل أن يعوضه عبد القادر عمراني.
ورغم أن عمراني حقق 11 فوزا في 17 مباراة، إلا أن الخسائر المؤثرة، وخاصة السقوط المدوي أمام الأهلي المصري بنتيجة 6-1 في دوري الأبطال، زعزعت الثقة في خياراته الفنية.
ومع قدوم راموفيتش، تغيّر المشهد. فحتى وإن خسر أول لقاء له ضد مولودية الجزائر في نهائي السوبر، إلا أن ردّ فعل الفريق (الذي عاد من تأخر بهدفين إلى تعادل) أظهر أن “ذهنية القتال” عادت للفريق. تحت قيادته، حقق بلوزداد 12 فوزا، 6 تعادلات وهزيمتين فقط، إحداهما أمام شبيبة القبائل. كما قاد الفريق إلى نهائي كأس الجمهورية، وضمان مشاركة قارية عبر بوابة كأس الكونفدرالية، مع احتلال المركز الثالث في الدوري بعد منافسة قوية.
النتائج التي حققها زينباور وراموفيتش دفعت أندية أخرى للسير على نفس النهج. شباب قسنطينة، مثلا، قرر منح الثقة لمدرب ألماني هو توميسلاف ستيبيتش، رغم تجربته الإفريقية المحدودة مع المغرب الفاسي المغربي والتي لم تكن ناجحة تماما (2 انتصارات، 4 تعادلات، 3 هزائم). إلا أن إدارة “السياسي” تراهن على شخصية المدرب وانضباطه المدرسي لقيادة مشروع رياضي جديد بعد مغادرة خير الدين مضوي.
أما مولودية الجزائر، التي استعادت مجدها المحلي بالتتويج بلقب الدوري بقيادة التونسي خالد بن يحيى، فتسير على نفس الدرب، حيث تبحث حاليا عن مدرب أجنبي ذو كفاءة قارية وشخصية صارمة لقيادة الفريق في دوري أبطال إفريقيا، وسط ترجيحات بأن يكون الاختيار من المدرسة الألمانية أيضا.
المدرب الألماني لا يقدّم كرة قدم استعراضية بقدر ما يبني فريقا منظما، صارما تكتيكيا، يعرف متى يهاجم وكيف يدافع. ربما لا تحضر “اللمسة الفنية الساحرة” دائماً، لكن الحصيلة في النهاية تترجم بالأرقام والنتائج.
ما تقدّمه هذه المدرسة من جدية، صرامة في التسيير، وقراءة دقيقة للمباريات، يبدو أنه يتماشى مع طبيعة الأزمة التي تعرفها العديد من الأندية الجزائرية، والتي تبحث عن مدرب يفرض النظام والانضباط قبل أي شيء آخر.
نجاح التجربتين مع زينباور وراموفيتش لم يكن مجرّد صدفة، بل هو نتاج رؤية تدريبية مختلفة بدأت تلقى ترحيبا في الأوساط الكروية الجزائرية. ومع دخول أسماء ألمانية جديدة إلى الساحة، من المنتظر أن تتحوّل “الموضة الألمانية” من مجرّد موجة عابرة، إلى خيار استراتيجي لأندية تبحث عن الاستقرار والفعالية.