في عالم كرة القدم لا تُقاس العظمة بعدد الأهداف فقط، بل أحيانًا بقوة الإرادة والقدرة على النهوض بعد السقوط. وقبيل مواجهة المنتخب الوطني الجزائري لنظيره البوركينابي اليوم مساءا، يبرز اسم مهاجم بوركينافاسو الشاب مينونغو كأحد أكثر القصص الإنسانية إلهامًا في القارة الإفريقية.
في سنة 2023، وأثناء معسكر تدريبي لنادي سياتل ساوندرز الأمريكي بمدينة ماربيا الإسبانية، تعرّض مينونغو لالتهاب حاد في عينه اليسرى. في بدايته، بدا الأمر عارضًا صحيًا بسيطًا، غير أن الوضع سرعان ما انقلب إلى مأساة حقيقية. تحولت العين إلى اللون الأسود ثم الأحمر، وبعد أسابيع قليلة فقدت لونها بالكامل. ورغم التدخل الجراحي العاجل، جاء التشخيص الطبي صادمًا: موت كامل للأعصاب البصرية وفقدان دائم للبصر في العين اليسرى.
كان مينونغو آنذاك في سن الحادية والعشرين، وفي أوج حلمه الكروي، حيث كان يستعد للالتحاق رسميًا بالفريق الأول لسياتل ساوندرز في الدوري الأمريكي. التقارير الطبية لم تكن رحيمة، إذ أوصت باعتزال مبكر، معتبرة أن مواصلة اللعب في أعلى المستويات قد تشكل خطرًا كبيرًا عليه، وأن مستقبله الكروي بات مهددًا بشكل شبه نهائي.
غير أن المهاجم البوركينابي، المولود والنشأ في كوت ديفوار، رفض الاستسلام لهذا الحكم القاسي. طلب فرصة واحدة فقط لإثبات قدرته على الاستمرار، واضعًا نفسه أمام اختبار حاسم إما النجاح أو الاعتزال. بدأ مرحلة شاقة من العمل الفردي، ركز خلالها على التكيّف مع فقدان الرؤية الجانبية، معتمدًا على الذكاء، الإحساس بالمساحات، وسرعة قراءة مجريات اللعب.
وبعد أشهر من التحدي والصبر، عاد مينونغو إلى الملاعب في ماي 2024، قبل أن يسجل هدفه الأول في الدوري الأمريكي خلال نوفمبر من العام ذاته، في لحظة شكّلت تتويجًا لمسار طويل من المعاناة. هذا التألق لم يمر مرور الكرام، حيث فتح له أبواب المنتخب البوركينابي، الذي خاض معه إلى حد الآن ست مباريات دولية ونجح في تسجيل ثلاثة أهداف، مؤكّدًا أنه لم يعد مجرد قصة إنسانية، بل لاعب مؤثر داخل المستطيل الأخضر.
واليوم، يقف مينونغو على موعد جديد مع التحدي، حين يواجه رفقة منتخب بوركينافاسو المنتخب الوطني الجزائري، في مباراة تحمل رهانات رياضية كبيرة، وتمنح لهذه القصة بعدًا آخر، عنوانه أن كرة القدم لا تعترف بالمستحيل، وأن الإرادة قد تكون أحيانًا أقوى من كل التوقعات الطبية.

