في مشهد مؤثر يعكس عمق الروابط بين كرة القدم والمجتمع، خطّ أنصار نادي مولودية الجزائر صفحة جديدة من الوفاء والإنسانية، بعدما قاموا بمبادرة نبيلة تجاه ضحايا الحادث الأليم الذي أودى بحياة ثلاثة مناصرين عقب مباراة الفريق أمام نجم مقرة، في ختام موسم 2024-2025.
هذه الالتفاتة، التي امتزجت فيها الدموع بالهتاف، جاءت لتؤكد أن جمهور المولودية لا يُختزل في التشجيع والأهازيج فقط، بل يتجاوز ذلك إلى مواقف تحمل بعدًا أخلاقيًا وإنسانيًا عميقًا. فقد نظّم الأنصار، عبر تنسيقياتهم وجمعياتهم، وقفات ترحم أمام الملعب، ورفعوا لافتات مؤثرة كُتبت عليها عبارات مثل “أنتم في القلب.. لن ننساكم أبدًا” و”المولودية عائلة لا تنسى أبناءها”.
وفي لفتة عفوية ومليئة بالمعاني، قام بعض المناصرين بتوزيع قوارير مياه على المارة والمتجمعين، كصدقة جارية على أرواح الضحايا، وقد كُتبت على كل قارورة وساقات صغيرة تحمل أدعية مؤثرة، من بينها: “اللهم اغفر لهم وارحمهم، واجعل مثواهم الجنة” و“نسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتهم”. مشهد بسيط، لكنه صوّر أسمى معاني التضامن والنية الصادقة في الدعاء والوفاء.
اللافت أيضًا أن هذه الحركية جاءت عفوية، دون توجيه من الإدارة أو الهيئات الرسمية، ما يُظهر نضجًا جماهيريًا ورقيًا في التعامل مع الشدائد، ويُعيد التذكير بأن المدرجات ليست فقط مسرحًا للفرجة، بل فضاءً حيًا للتضامن والتلاحم.
في ظل هذا الجو المشحون بالحزن والامتنان، رفعت أصوات كثيرة تطالب بتحسين شروط الأمن داخل الملاعب، وتوفير بيئة آمنة للجماهير، خاصة بعد أن تحوّلت المتعة إلى مأساة في لحظات.
وهكذا قال جمهور المولودية كلمته دون شعارات… قالها بالماء البارد والدعاء، قالها بالاحترام والرحمة، قالها من القلب إلى القلب: نحن لا ننسى، نحن لا نتخلّى.
في زمن تتراجع فيه القيم، ظلّت مدرجات المولودية تصرخ بالحياة والوفاء… وكتبت درسا خالدا عنوانه: “حين تبكي الجماهير، تصمت الملاعب احترامًا”.