أسدل الستار على موسم 2024–2025 من بطولة الرابطة المحترفة الأولى موبيليس، الذي لم يخلُ من الإثارة داخل الملاعب، لكنه حمل ملامح خاصة خارجه، عنوانها العريض تغييرات بالجملة على مستوى العارضة الفنية للأندية. فباستثناء ناديين فقط، غيّرت جميع فرق البطولة مدربيها مرة واحدة على الأقل، في ظاهرة باتت متكررة في الكرة الجزائرية وتثير الكثير من التساؤلات حول الاستقرار الفني والتخطيط الإداري.
في مشهد نادر يعكس حجم التوتر والضغوط المسلطة على الأندية، لم يُكمل الموسم من بدايته إلى نهايته سوى مدربين اثنين فقط، هما خير الدين مضوي، الذي قاد شباب قسنطينة بكل استقرار ونجح في إيصال الفريق إلى نصف نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية، إلى جانب سمير زاوي، الذي تمسك بمقعده على رأس العارضة الفنية لجمعية الشلف، رغم كل الصعوبات المالية والرياضية التي واجهها النادي خلال الموسم.
تغييرات بالجملة لدى فرق القمة
من جهة أخرى، تصدّرت الفرق الكبرى مشهد الإقالات. مولودية الجزائر مثلًا، بدأت الموسم تحت قيادة الفرنسي باتريس بوميل، لكنها قررت الانفصال عنه في مرحلة الإياب، واستقدمت التونسي خالد بن يحيى، الذي أنهى الموسم على رأس الطاقم الفني وساهم في المنافسة على اللقب حتى الجولة الأخيرة، قبل أن يقود الفريق للتتويج بالبطولة. بدورها، شبيبة القبائل عاشت مرحلة مضطربة في البداية مع عبد الحق بن شيخة، قبل أن تتجه نحو المدرسة الألمانية بالتعاقد مع جوزيف زينباور، الذي أحدث نقلة فنية واضحة أعادت الفريق إلى دوري أبطال إفريقيا.
شباب بلوزداد بدوره لم يكن بعيدًا عن دوامة التغييرات، حيث افتتح الموسم مع الفرنسي كورنتين مارتينيز، ثم مرّ بالجزائري عبد القادر عمراني، قبل أن يُنهي مشواره مع المدرب الألماني راموفيتش. هذا الأخير أعاد التوازن للفريق في الجولات الأخيرة وضمن له مركزًا مؤهلًا لكأس الكونفدرالية الإفريقية.
اللافت أن أغلب الأندية لجأت إلى تغييرين أو حتى ثلاثة مدربين خلال نفس الموسم. شبيبة الساورة كانت واحدة من تلك الحالات، بعدما بدأت مع شريف الوزاني، ثم التونسي مراد اليعقوبي، قبل أن تستقر على مصطفى جاليت في الأمتار الأخيرة. كذلك فعل بارادو، الذي تخلى عن التونسي راضي الجعايدي وعوّضه بالمدرب الجزائري بلال دزيري.
فرق الوسط والقاع…تغييرات بلا نهاية
في نفس السياق، لم يكن وفاق سطيف أوفر حظًا، فبعد الانفصال عن رضا بن دريس، أوكلت الإدارة مهمة الإنقاذ إلى التونسي نبيل الكوكي. اتحاد خنشلة بدوره تغيّر من التونسي حاتم الميساوي إلى شريف حجار، ثم أخيرًا حسين أشيو، في وقت عرف فيه اتحاد العاصمة تعاقب ثلاثة أسماء أيضًا التونسي نبيل معلول في البداية، ثم البرازيلي باكيتا، وأخيرًا الجزائري لاسات.
أما مولودية وهران، فقد عاشت واحدة من أصعب انطلاقاتها في البطولة مع مدربها المرحوم يوسف بوزيدي، قبل أن يتولى المالي إيريك شال المهمة، والذي غادر لاحقًا لتدريب منتخب نيجيريا، ثم اختتم الموسم تحت قيادة عبد القادر عمراني. التغييرات لم تتوقف هنا، بل امتدت إلى أولمبيك أقبو، الذي تداولت عليه أربعة أسماء فنية، هي التونسي معز بوعكاز، الجزائري منير زغدود، الفرنسي دونيس لافان، وأخيرًا المحلي ياسين أوزاني.
في المراتب الأدنى من جدول الترتيب، لم تكن الأمور أفضل حالًا. مولودية البيض غيّرت ثلاثة مدربين دفعة واحدة، بداية بفؤاد بوعلي، ثم لطفي عمروش، وعبد الحاكم بن سليمان، قبل أن تستقر على كريم بختي. أما نجم مقرة، فبدأ مع لامين بوغرارة، ثم استعان بفؤاد بوعلي، ليستقر في النهاية على عز الدين آيت جودي.
الأجانب أكثر تأثيرًا…
الموسم الكروي الجزائري الحالي عكس مرة أخرى إشكالية مزمنة في البيئة الكروية المحلية، وهي غياب الصبر والاستقرار الفني. حيث تستسهل الإدارات الحلول السريعة بإقالة المدربين بعد أول أزمة، دون بناء مشروع طويل المدى. ما يعمّق الأزمة أكثر هو غياب رؤية واضحة في اختيار البدائل، إذ كثيرًا ما تتحول الإقالات إلى تدوير للأسماء بين نفس الفرق، أو إلى تعيين مدربين تحت ضغط الجمهور أو النتائج.
أما على صعيد التقييم بين المدرب المحلي والأجنبي، فقد أثبتت الأرقام أن المدرسة الأجنبية كانت أكثر فاعلية في النصف الثاني من الموسم. زينباور في شبيبة القبائل، وراموفيتش في شباب بلوزداد، وبن يحيى في المولودية، وحتى الكوكي في الوفاق، جميعهم تركوا بصمات واضحة عند استلامهم الفريق في مرحلة حرجة. هذا التفوق الفني في التسيير والتكتيك أعاد الجدل حول ضرورة منح الثقة أكثر للمدرب المحلي، ولكن ضمن بيئة احترافية تسمح له بالنجاح وتوفّر له أدوات العمل، بدل جعله أول ضحية عند كل تعثر.