في كل صيف ومع اقتراب انطلاق الموسم الكروي الجديد، تدخل الأندية الجزائرية في سباق مع الزمن من أجل التحضير الأمثل والجاهزية البدنية والتكتيكية، هذا الموسم، بدا واضحًا أن الوجهة المفضلة لدى أغلب أندية القسم الأول لم تكن فرنسا أو أوروبا كما كان في السابق، بل كانت الجارة الشرقية تونس، خيار لم يكن عشوائيًا ولا ارتجاليًا، بل استند إلى معطيات ميدانية وواقعية فرضت نفسها، جعلت من الأراضي التونسية قبلة رئيسية لتربصات الأندية الجزائرية بكل فئاتها.
تجهيزات حديثة، طقس مثالي، وأجواء مغاربية مريحة
السبب الرئيسي وراء اختيار تونس يعود إلى توفرها على مركبات رياضية متطورة، خاصة في مناطق مثل عين دراهم وطبرقة، وهي مدن صغيرة لكنها احترافية جدًا في مجال استقبال الفرق الرياضية، المنشآت هناك تقدم كل ما يحتاجه نادٍ محترف للتحضير بشكل مثالي..ملاعب ذات عشب طبيعي في حالة ممتازة، قاعات تقوية عضلات، مراكز طبية متخصصة، مسارات للجري، وحتى فنادق قريبة من المركب ما يجعل التنقل اليومي سهلًا ومريحًا
لكن الأمر لا يتوقف عند التجهيزات فقط، فالعامل المناخي لعب دورًا حاسمًا، فبينما تعاني عدة مناطق داخل الجزائر من موجات حر شديدة خلال الصيف، تتميز المناطق الشمالية لتونس بمناخ معتدل ومنعش، ما يسمح بإجراء التدريبات في أوقات متعددة من اليوم دون ضغط الطقس، كما أن الارتفاع عن سطح البحر في عين دراهم على سبيل المثال يمنح اللاعبين فرصة للعمل البدني في ظروف ممتازة جدًا لتحسين الجاهزية
تنظيم محكم ومباريات ودية في المتناول
الجانب التنظيمي كذلك أحد أبرز عوامل الجذب، السلطات التونسية والجهات المكلفة بالمرافق الرياضية باتت تملك خبرة كبيرة في التعامل مع الأندية الجزائرية، وتعرف احتياجاتها بشكل دقيق، كل الأمور تسير بسلاسة، من المطار، إلى الإقامة، إلى برمجة الحصص التدريبية وحتى تنظيم المباريات الودية مع فرق تونسية أو جزائرية أخرى موجودة في نفس التوقيت والمكان، وهذا ما يمنح الأندية فرصة لبرمجة مباريات تحضيرية تنافسية ذات طابع رسمي، وهو ما يفتقده البعض عند إجراء التربص داخل الوطن
بل أكثر من ذلك، أصبحت تونس بمثابة نقطة التقاء بين الأندية الجزائرية نفسها، بما فيها أندية القسم الثاني، التي قررت هي الأخرى استغلال جودة المرافق هناك، من أجل خوض تربصات فعالة دون الحاجة إلى التنقل لمسافات طويلة أو تحمل أعباء مادية كبيرة
مولودية الجزائر تغيّر الوجهة وتبعث برسالة واضحة
من أبرز المؤشرات على نجاح خيار تونس هذا الموسم، هو قرار مولودية الجزائر تغيير وجهتها نحو هناك بعد سنوات من التربص في فرنسا، الفريق العاصمي كان من أكثر الأندية تمسكًا بخيار أوروبا، لكن حسابات هذا الموسم كانت مختلفة، القرار لم يكن بسبب ضائقة مالية، بل لأن الجميع بات يُجمع على أن التحضيرات في تونس أصبحت تضاهي نظيرتها في أوروبا من حيث الفاعلية والمردودية، المولودية اختارت تونس عن اقتناع، وهو ما قد يدفع أندية أخرى مستقبلاً إلى مراجعة نظرتها بخصوص جدوى التحضيرات في الخارج
تونس تتحول إلى قاعدة استراتيجية لتحضيرات الكرة الجزائرية
التحضير في تونس لم يعد خيارًا طارئًا أو ظرفيًا، بل أصبح خيارًا استراتيجيًا ثابتًا. موسمًا بعد موسم، تزداد ثقة الأندية الجزائرية في هذه الوجهة التي تقدم لها كل ما تحتاجه من وسائل النجاح بأقل التكاليف وفي بيئة مريحة نفسيًا وفنيًا، الجغرافيا والقرب الثقافي واللغوي سهّلت المهمة أكثر، والأهم من كل ذلك أن نتائج هذا النوع من التحضيرات باتت تظهر في الميدان، حيث لاحظنا أن الأندية التي حضرت هناك تكون غالبًا أكثر جاهزية عند بداية البطولة