في ليلة كروية استثنائية، لم يكن الانتصار العريض لاتحاد العاصمة على أسيك ميموزا الإيفواري بثلاثية نظيفة هو الحدث الأبرز، بل كانت جماهير “سوسطارة” هي النجمة التي أضاءت سماء ملعب 5 جويلية 1962، مقدمين درسًا في الإبداع، الانضباط، وحب الفريق.
منذ اللحظات الأولى، بدا واضحًا أن الجماهير قررت تحويل المدرجات إلى مسرح مفتوح للإبداع. الهتافات والأهازيج لم تتوقف، حيث امتلأ الملعب بأصوات لا تهدأ، تناغمت مع إيقاعات الطبول، في مشهد أشبه بحفل موسيقي ضخم.
أكثر ما لفت الأنظار هو “التيفو” الرائع الذي رفعته مجموعة “المتحدون العاصميون” في المدرجات الشمالية. التصميم لم يكن عاديًا، بل حمل رمزية عميقة. ظهر “الأسطرلاب”، الأداة الفلكية التي استخدمها العلماء العرب قديمًا لرصد النجوم وحساب المسافات بينها، في إشارة ذكية إلى مسيرة اتحاد العاصمة نحو النجمة الأفريقية الثالثة. بجانب ذلك، برزت صورة لعالم أو فيلسوف عربي يحدّق في السماء نحو نجمة مضيئة، وكأنها رسالة بصرية تعبّر عن طموح النادي في اعتلاء قمة القارة الأفريقية. في أسفل هذا المشهد، كُتبت عبارة لاتينية ضخمة: “PER ASPERA AD ASTRA”، والتي تعني “عبر المصاعب إلى النجوم”. لم يكن الشعار مجرد كلمات، بل رسالة معبّرة توضح أن الطريق إلى المجد لا يكون سهلًا، وأن التحديات لا تزيد الجماهير إلا إصرارًا.
ورغم التحذيرات الصارمة من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف) بخصوص حظر استخدام الألعاب النارية والشماريخ في المدرجات، وجدت الجماهير طريقة مبتكرة للرد. في الدقيقة 37 من المباراة، وفي لحظة اتفق عليها الجميع مسبقًا، أضاءت آلاف الهواتف المحمولة في المدرجات في مشهد مذهل. الأضواء الصغيرة تراقصت في المدرجات، محوّلة الملعب إلى فضاء أشبه بالسماء المرصعة بالنجوم. كان المشهد مؤثرًا لدرجة أنه سرق الأضواء من المباراة نفسها، وأصبح حديث الإعلام والجماهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لم تكن جماهير اتحاد العاصمة بحاجة إلى الشماريخ لتثبت تفوقها. لقد أثبتوا أن الإبداع لا يحتاج إلى أدوات محظورة، بل إلى عقول مبدعة. اختيارهم للفلاشات بدلاً من الشماريخ لم يكن مجرد حيلة بصرية، بل كان رسالة واضحة بأنهم يحترمون القوانين، لكنهم في الوقت نفسه قادرون على جعل أجواء الملعب ساحرة بأبسط الوسائل.
ليلة ملعب 5 جويلية لم تكن مجرد مباراة لكرة القدم، بل كانت عرضًا فنيًا، حيث لعبت الجماهير دور المخرج، المؤلف، والممثل في آن واحد. من “التيفو” الفني العميق، إلى موجات الهتاف المتناسقة، وصولًا إلى أضواء الفلاشات التي حوّلت الملعب إلى سماء مرصعة بالنجوم، أثبت أنصار اتحاد العاصمة أنهم ليسوا مجرد مشجعين عاديين، بل فنانين قادرين على تحويل المدرجات إلى مسرح للإبداع.