شهد الموسم الكروي 2024–2025 في الجزائر موجة تعاقدات استثنائية مع أسماء كبيرة تعود بخبرة وتجربة طويلة في الملاعب الأوروبية والخليجية. الأندية الجزائرية، وفي مقدمتها شباب بلوزداد، مولودية الجزائر، ومولودية وهران، سعت إلى إحداث طفرة فنية وإعلامية بضم نجوم دوليين سابقين، على غرار إسلام سليماني، أندي ديلور، ويانيس حماش. لكن سرعان ما تحول حلم “الصفقات الكبرى” إلى خيبة واقع، بعد أن أخفقت هذه الانتدابات في تقديم الإضافة المنتظرة، باستثناء تجربة رياض بودبوز الناجحة مع شبيبة القبائل، والتي أعادت التوازن إلى مشهد الانتقالات.
صفقات بأسماء لامعة…لكن نتائج مخيبة
إسلام سليماني، الهدّاف التاريخي للمنتخب الوطني، عاد إلى البطولة الجزائرية عبر بوابة شباب بلوزداد في صفقة انتقال حر، قادمًا من نادي KV Mechelen البلجيكي. وقّع عقدًا يمتد حتى صيف 2026 دون الكشف عن راتبه، غير أن عدة مصادر إعلامية تحدثت عن مبلغ ضخم ضمن أغلى العقود في الدوري. ورغم البداية المتفائلة، لم يظهر سليماني بالمستوى المأمول، حيث خاض 12 مباراة فقط، سجل خلالها ثلاثة أهداف، هدفين ضد مولودية البيض والآخر في دربي العاصمة أمام مولودية الجزائر.
الإقصاء المبكر من رابطة أبطال إفريقيا عجّل برحيله، إذ انتقل في “الميركاتو” الشتوي إلى نادي Westerlo البلجيكي على سبيل الإعارة حتى نهاية الموسم، ضمن اتفاق مسبق مع إدارة بلوزداد يُتيح له المغادرة في حال عدم تأهل الفريق إلى ربع النهائي.
من جهته، تعاقدت مولودية الجزائر مع أندي ديلور، العائد من تجربة قصيرة مع أم صلال القطري. وقع عقدًا طويل الأمد يمتد حتى 2027، في صفقة وُصفت بـ”التاريخية”، بالنظر إلى القيمة السوقية للاعب المقدّرة بـ4 ملايين يورو حسب موقع “ترانسفر ماركت”. لكن بعد ستة أشهر فقط، لم ينجح ديلور في التأقلم، واكتفى بتسجيل 3 أهداف في 9 مباريات بالدوري، أضاع خلالها ركلتي جزاء، ولم يسجل أي هدف في ثلاث مباريات ضمن رابطة أبطال إفريقيا. هذا الأداء الضعيف دفع إدارة “العميد” لإعارته في الشتاء إلى ناديه السابق مونبلييه الفرنسي مع خيار الشراء، لتُنهي واحدة من أكثر الصفقات جدلًا في الموسم.
أما يانيس حماش، فكان “حديث الصفقات” الصيفية، بعد أن تمكنت إدارة مولودية وهران، بدعم مباشر من شركة هيبروك، من حسم انتقاله رغم اهتمام شبيبة القبائل ومولودية الجزائر. قادمًا من نادي أروكا البرتغالي، وقع حماش عقدًا لثلاث سنوات، في صفقة بلغت أعلى سقف أجور في تاريخ البطولة الوطنية، حيث كان يتقاضى راتب خيالي يصل إلى 40 ألف يورو شهريًا. لكن لسوء الحظ، لم يظهر اللاعب في أي دقيقة طيلة الموسم، بسبب الإصابة، ما جعل من صفقة “المدافع الذهبي” واحدة من أكثر الصفقات فشلًا من حيث الجدوى الرياضية والمالية.
بودبوز… نقطة ضوء وسط العتمة
وسط هذه الإخفاقات، سطع نجم رياض بودبوز، العائد من تجربة طويلة في أوروبا والخليج، مع نادي شبيبة القبائل. رغم إصاباته المتكررة التي أبعدته عن عدة مباريات، لعب بودبوز 19 لقاءً هذا الموسم، سجل خلالها 6 أهداف وقدم 7 تمريرات حاسمة، ليكون بذلك أكثر لاعب مساهمة في الأهداف داخل الفريق. الأهم من ذلك، أن تأثيره لم يكن رقميًا فقط، بل ظهر على مستوى الأداء الجماعي، وقيادته الفنية في أرضية الميدان، ما جعله أحد أبرز لاعبي الموسم في الجزائر.
نجاح صفقة بودبوز يعود إلى عوامل واضحة منها الجاهزية الفنية والبدنية المقبولة وكذا الانسجام السريع مع المنظومة التكتيكية، والدور الواضح داخل المشروع الفني للفريق. وهو ما افتقرت إليه صفقات سليماني وديلور وحماش، التي عُقدت تحت ضغط الجماهير والطموحات الإعلامية، دون دراسة كافية للمعطيات الرياضية والاقتصادية.
هل تعيد أنديتنا النظر في سياساتها؟
تجربة الموسم الحالي تدق ناقوس الخطر أمام الأندية الجزائرية. فالمبالغة في التعاقد مع أسماء كبيرة دون فحص دقيق للجاهزية والاحتياج الفعلي، يؤدي غالبًا إلى فشل فني ومالي يصعب تداركه. ما حصل مع سليماني، ديلور وحماش قد يتكرر في مواسم لاحقة إذا لم تُراجع إدارات الأندية سياساتها التعاقدية، وتعتمد على منهجية واضحة ترتكز على القيمة الرياضية وليس البريق الإعلامي. لتُثبت صفقة بودبوز أن النجاح لا يرتبط بالاسم فقط، بل بالانسجام بين اللاعب، الفريق، والمدرب. ولعل ما تحتاجه الكرة الجزائرية اليوم ليس “صفقات كبرى” بقدر ما هو “مشاريع رياضية ناضجة”، تخدم مستقبل الأندية بدل حرق ميزانياتها على رهانات خاسرة.