حجز المنتخب الوطني الجزائري بطاقة العبور إلى الدور ثمن النهائي لكأس أمم إفريقيا 2025، بعدما حقق فوزه الثاني تواليا، على حساب منتخب بوركينا فاسو بهدف دون رد، وقعه قائد الخضر رياض محرز، في مواجهة أعادت للكرة الجزائرية إحدى أهم ميزاتها التاريخية…الروح القتالية.
بعيدا عن لغة الأرقام، فإن أحد أبرز أسباب انتصار أشبال فلاديمير بيتكوفيتش في هذه المواجهة، أمام خصم اعتاد دائما إرباك الجزائر في مختلف المحطات، كان الروح القتالية والانضباط الذهني الذي ميّز أداء اللاعبين. فقد واجه الخضر الضغط البوركينابي بثبات كبير، وصمدوا لما يقارب 70 دقيقة أمام محاولات متكررة للعودة في النتيجة، دون أن يفقدوا تركيزهم أو تنظيمهم.
ما قدمه اللاعبون في هذه المباراة تجاوز الجانب التكتيكي البحت، ليعكس رغبة حقيقية في استعادة هيبة المنتخب الوطني، ومحو آثار خيبتي الخروج المبكر من آخر نسختين. ظهر اللاعبون وكأنهم يدركون ثقل القميص الذي يحملونه، فقاتلوا على كل كرة، وأظهروا استعدادا للتضحية، وهي الصفات التي لطالما ميّزت الكرة الجزائرية في محطاتها الكبرى.
هذه “الغرينتا” ليست جديدة على الجماهير الجزائرية، بل هي امتداد لروح صنعت أمجادا خالدة، من ملحمة جيل 1982 في مونديال إسبانيا، مرورا بليلة أم درمان التاريخية التي أعادت الجزائر إلى كأس العالم بعد 24 سنة، وصولا إلى مشوار مونديال البرازيل 2014، حيث جرّ الخضر المنتخب الألماني إلى الوقت الإضافي، في مباراة خلدت روحا قتالية أشاد بها العالم.
كما تبقى ملحمة التتويج القاري في القاهرة 2019 شاهدا آخر على قوة هذه الروح، من دموع مباراة كوت ديفوار، إلى هدف محرز القاتل أمام نيجيريا، ثم النهائي أمام السنغال، حيث قاتل الجميع حتى آخر دقيقة لاستعادة التاج الغائب منذ 1990.
ما حدث أمام بوركينا فاسو قد لا يكون عرضا استثنائيا، بل مؤشرا على عودة تدريجية للهوية التي طال انتظارها. فبيتكوفيتش، بهدوئه وبراغماتيته، نجح في إعادة التوازن النفسي قبل الفني، وهو ما انعكس على سلوك اللاعبين فوق أرضية الميدان.
اليوم، ومع ضمان التأهل، يتزايد الطموح وتكبر الأسئلة…هل تكون الرباط امتدادا لملحمة القاهرة؟ وهل ينجح رفقاء إسماعيل بن ناصر في تحويل هذه الروح إلى مسار متكامل يعيد الجزائر إلى منصة التتويج؟
الأكيد أن “الغرينتا” عادت… ومعها عاد أمل الجزائريين.

