بعد أن حسم مولودية الجزائر لقب البطولة الوطنية للمرة التاسعة في تاريخه والثانية على التوالي، لم يكن التتويج هذه المرة بطعم الفرح الخالص، فقد رافقته أحداث مؤسفة في مباراة التتويج أمام نجم مقرة، خيمت بظلالها على احتفالات العميد. ورغم كل ذلك، لا وقت للتوقف، فالموسم القادم يحمل في طياته تحديات أكبر، أبرزها المشاركة في دوري أبطال إفريقيا، حيث يطمح الفريق إلى تجاوز سقف إنجاز الموسم الماضي، حين بلغ ربع النهائي وخرج على يد أورلاندو بيراتس الجنوب إفريقي. وهي مغامرة تتطلب فريقا أقوى، وأكثر جاهزية.
جماهير العميد، رفعت سقف الطموحات، ولم تعد تكتفي بلقب محلي في بطولة تعاني من تواضع المستوى الفني، بل أصبحت تطالب بنتائج مشرفة في أكبر منافسة قارية، وتُحمّل إدارة حاج رجم مسؤولية تعزيز الفريق بأسماء قادرة على رفع التحدي، خاصة وأن مولودية الجزائر الحالية لا تضم أي لاعب دولي من الصنف الأول، باستثناء الدولي البوركينابي محمد زوغرانا، وبعض الأسماء التي استدعاها بوقرة للمنتخب المحلي في قائمته الأخيرة، والتي ضمت فقط رضا حلايمية، أيوب غزالة، وأكرم بوراس.
الآن، بات من الواضح أن المولودية بحاجة إلى دخول سوق الانتقالات الصيفية بقوة، إذا ما أرادت مجابهة عمالقة القارة على غرار الأهلي المصري، الترجي التونسي، وصنداونز الجنوب إفريقي. حيث ينتظر أن تمس التغييرات عدة مراكز، من أبرزها:
منصب حراسة المرمى، فبعد موسم متذبذب من الحارس الدولي السابق توفيق موساوي، الذي تلقى 10 أهداف في 13 مباراة، ورغم تألق الحارس الشاب عبد اللطيف رمضان (24 سنة) في النصف الثاني من الموسم (تلقى 9 أهداف في 17 مباراة، وحقق 11 “كلين شيت”)، طالبت جماهير العميد بانتداب حارس صاحب خبرة يمكن الاعتماد عليه في المواعيد القارية الكبرى.
بالإضافة إلى حراسة المرمى، وعلى الجناح الأيمن، فشلت صفقة “بطل العرب” مع المنتخب الوطني الطيب مزياني فشلا ذريعا، إذ اكتفى بهدف وحيد في 654 دقيقة لعبها على مدار 18 مباراة، بينما شهد مستوى زكريا نعيجي تراجعا كبيرا رغم أرقامه المقبولة نسبيا (4 أهداف و6 تمريرات حاسمة في 25 مباراة).
أما على الجهة اليسرى، فإن توهج الإيفواري كيبري لم يخفِ فشل صفقة الشاب أمين مسوسة، القادم من مدرسة ليل الفرنسي، الذي سجل هدفا وحيدا ومرر تمريرتين فقط في 27 مباراة لعبها في كل البطولات.
بالحديث عن فشل صفقات الموسم الماضي، لا يمكن تجاهل خيبة الأمل التي صاحبت انتداب متوسط الميدان زكريا دراوي، القادم في صفقة انتقال حر من الوداد البيضاوي المغربي، والذي كان يعول عليه ليكون أحد ركائز وسط ميدان الفريق. إلا أن الإصابات المتكررة أبعدته عن أغلب فترات الموسم، فلم يشارك سوى في 15 مباراة، معظمها كبديل، حيث سجل هدفا وحيدا دون أي تأثير يذكر في المباريات الحاسمة.
في الدفاع، وخصوصاعلى مستوى الجهة اليسرى، فرغم المستوى الجيد الذي أظهره مروان خليف، المنتقل من شبيبة الساورة، إلا أن الأداء المتواضع لخريج أكاديمية بارادو حمزة موالي، وغياباته المتكررة سواء لأسباب بدنية أو قرارات فنية، تسببا في اضطراب واضح في هذا المركز. وهو ما أجبر الطاقم الفني على حلول ترقيعية في بعض الأحيان، أبرزها إشراك الظهير الأيمن كمال حميدي في الرواق الأيسر في خمس مباريات، بينها ثلاث مواجهات صعبة في دوري أبطال إفريقيا أمام كل من يانغ أفريكانز (جنوب إفريقيا)، الهلال السوداني، وتي بي مازيمبي الكونغولي.
في ظل الأداء المتواضع لبعض اللاعبين، باتت إدارة سوناطراك تتجه لتسريح عدد منهم، وعلى رأسهم: الطيب مزياني، خيرالدين مرزوقي، أمين مسوسة (مرشح للعودة إلى أوروبا)، الايفواريان باجو وواتارا، مهدي بوسعيد. بالإضافة إلى عودة أندي ديلور من مونبلييه، عبدالمالك قلالش من النادي الأفريقي التونسي وولاء بوزكري من نجم مقرة بعد انتهاء فترة اعارتهم، وهم الذين لم يتضح بعد بقاءهم مع الفريق من عدمه.
على الجانب الفني، ورغم قيادة الفريق للتتويج بلقب الدوري الجزائري وكأس السوبر، قررت إدارة مولودية الجزائر عدم مواصلة العمل مع التقني التونسي خالد بن يحيى، الذي انتهى عقده بنهاية الموسم دون أن يُعرض عليه التجديد. القرار لم يكن مفاجئا في محيط الفريق، خاصة أن بن يحيى كان محل انتقادات متكررة من الجماهير وبعض أعضاء مجلس الإدارة، بسبب خياراته التكتيكية المتحفظة وتفريطه في نقاط ثمينة خلال مباريات مفصلية.
ورغم أن التقييم الرسمي لموسمه لم يجرى بعد، بسبب الحداد الذي تبع الوفاة الأليمة لمناصري الفريق، إلا أن كل المؤشرات تؤكد أن الإدارة كانت قد اتخذت قرار الطلاق الفني حتى قبل نهاية الموسم.
في هذا السياق، شرعت إدارة العميد في البحث عن مدرب أجنبي بخبرة قارية وشخصية قوية، قادر على قيادة مشروع الفريق في دوري أبطال إفريقيا. ويبدو أن النجاح الذي حققه الألمانيان راموفيتش مع شباب بلوزداد وزينباور مع شبيبة القبائل، شجّع إدارة حاج رجم على اعتماد نفس الخيار، طمعا في تحقيق قفزة نوعية على المستوى الفني.
في النهاية، وبعد موسم محلي ناجح تُوّج بلقب الدوري وكأس السوبر، تجد مولودية الجزائر نفسها أمام محطة أكثر أهمية: بناء فريق قوي وقاري يشرف النادي في دوري أبطال إفريقيا. ورغم المكاسب التي تحققت، إلا أن الواقع يفرض تغييرات كبيرة على مستوى التعداد الفني والطاقم التقني، لأن الاستقرار وحده لا يكفي، والمنافسة الإفريقية تتطلب أسماء مميزة، تحضيرات دقيقة، ومدربا بكفاءة وخبرة عالية.
الأنصار ينتظرون الكثير، والإدارة أمام اختبار حقيقي لترجمة طموحات “الشناوة” إلى مشروع فعلي على أرض الواقع، يعيد “بطل ال76” إلى الواجهة القارية، لا كمشارك فقط، بل كمنافس على اللقب.