من السهل القول إن تأهل الجزائر إلى كأس العالم كان “منطقيا” بتعلة أن المجموعة كانت سهلة لكن من الصعب أن يدرك من يردد هذا الكلام أن طريق المونديال ليس محفوفا بالورود وخصوصا في التصفيات الإفريقية ..فالتأهل تحقق بعد مشوار طويل ومعقد لم يحسمه “الخضر” إلا في الجولة قبل الأخيرة ولم تحسمه منتخبات عريقة حتى الآن، بل إن بعضها مهدد بالإنسحاب والبعض الآخر فقد الأمل.. وهو ما يثبت أن التأهل لا يُمنح.. بل يُنتزع.
هل حقا مشوار الخضر في التصفيات كان محفوفا بالورود ؟
الجزائر بدأت التصفيات بفوز شاق على الصومال في مباراة لم تحسم إلا في الدقيقة 80 حين وقع سليماني الهدف الثالث.. و بعدها جاء فوز صعب آخر في الموزمبيق بثنائية قبل أن يتعثر المنتخب في الجولة الثالثة أمام غينيا بالجزائر وكان ذلك المنعرج الحقيقي في التصفيات قبل أن ينهض الفريق ويفوز على أوغندا بعد أن قلب التأخر إلى انتصار.. ثم واصل “الخضر” طريقهم بثبات رغم الظروف المناخية القاسية في بوتسوانا محققين فوزا بثلاثة أهداف لهدف قبل أن يقدموا عرضا هجوميا مميزا أمام الموزمبيق حين انتصروا بخماسية في مباراة ربما الوحيدة التي يمكن القول أنها سهلة.. تلت ذلك نتائج متوازنة بتكرار الفوز على بوتسوانا ثم تعادل صعب في أمام غينيا وأخيرا فوز مستحق على الصومال حسم التأهل رسميا.
صحيح أن حصيلة الجزائر كانت 7 انتصارات، تعادل، وهزيمة واحدة.. لكنها أرقام تظهر ثبات وقوة المنتخب الوطني أكثر مما تظهر “سهولة المجموعة”.. فبإستثناء خماسية الموزمبيق كانت أغلب المباريات مغلقة وتنافسية حتى الدقائق الأخيرة.
متى يعي البعض التطور المتسارع للكرة الإفريقية ؟
حتى لو سلمنا أن المجموعة كانت في المتناول فإن هذا لا يجعل الإنجاز أقل قيمة لأن بقية المجموعات الإفريقية كانت على النمط نفسه.. فمنتخبات مصر وتونس والمغرب وجدت أيضا منافسين من الحجم الصغير لكن ذلك لم يمنعها من خوض مباريات صعبة لضمان الصدارة..
إضافة لذلك، هناك منتخبات عريقة مثل السنغال التي مازالت تصارع الكونغو الديمقراطية ولم تحسم تأهلها بعد، نفس الحال نيجيريا التي تراجعت إلى المركز الثالث خلف البينين وجنوب إفريقيا.. والكاميرون المهددة هي الأخرى بالغياب عن المونديال.
هذا الواقع يثبت أن كرة القدم الإفريقية تطورت وأن “المرور السهل” أصبح من الماضي.. المنتخبات الصغيرة لم تعد تخسر بسهولة، وأي خطأ في التفاصيل قد يكلف النقاط الثلاث.
نظام تصفيات يفرض “كبير” و”صغار” في كل القارات:
و لمن يقارن بتصفيات أوروبا أو آسيا، فالحال واحد.. فنظام التصفيات لمونديال ب48 منتخب.. يفرض مجموعات تضم منتخبات كبرى مع أخرى متواضعة ورغم ذلك نرى صعوبات كبيرة.. إيطاليا غابت عن مونديالين متتاليين وهاهي توشك على الغياب لثالث مرة.. وبلجيكا عانت أمام منتخبات مغمورة ومهددة بالغياب.. وحتى في آسيا مثلا المنتخب السعودي واجه متاعب أمام منتخبات أقل تصنيفا ولم يتأهل بعد.
هل يستقيم القول بأن تأهل “الخضر” سهل ؟
القول إن تأهل الجزائر كان “طبيعيا” أو “سهلا” لا يعدو كونه إجحاف في حق مجهودات عناصرنا الوطنية.. بل لا يصمد أمام الواقع لأن التصفيات الأخيرة كانت اختبارا حقيقيا للنضج والإستمرارية.. الخضر واجهوا فترة إنتقالية من بلماضي إلى بيتكوفيتش.. والمنتخب عاش فترة تجديد وتشبيب، اضافة إلى الضغوط التي صاحبت خسارة غينيا.. رغم ذلك أظهر المنتخب شخصية قوية و إستعاد توازنه حتى الجولة التاسعة.. ولذلك فإن التأهل لم يكن صدفة ولا منحة من القرعة بل ثمرة عمل و إستقرار ومجموعة آمنت بمشروعها.