عندما نتحدث عن الإبداع فوق المستطيل الأخضر، يصعب تجاوز اسم يوسف بلايلي. نجمٌ جزائري يملك من المهارة ما يجعله يُلهب المدرجات ويأسر القلوب، موهبة فطرية نادرة، لا تشبه إلا نفسها، لكن في المقابل، خلف هذا اللمعان الكروي، ظلّ ملف “الانضباط” مفتوحًا، يلاحق اللاعب من دوري لآخر، ومن قميص لقميص، ويطرح علامات استفهام كبرى حول مستقبله مع المنتخب الوطني، خاصة مع اقتراب موعد الحلم الأكبر كأس العالم 2026 وقبلها بأشهر كأس أمم إفريقيا بالمغرب.
يُجمع المتابعون والنقّاد على أن يوسف بلايلي يملك كل ما يلزم ليكون أحد أفضل اللاعبين في إفريقيا والعالم العربي وحتى العالم ، إن لم يكن الأفضل من حيث الموهبة الفردية، لكنه في ذات الوقت، يشكّل حالة فريدة من التناقض؛ إذ كلما اقترب من القمة، تظهر مشاكل انضباطية تهدد كل ما بناه.
في الفترة الأخيرة، تلقى بلايلي بطاقتين صفراوين في منافسات كأس العالم للأندية، ما حرمه من المشاركة في آخر مباراة لفريقه الترجي التونسي أمام نادي تشيلسي، ليعود الجدل مجددًا حول سلوكياته داخل الملعب.
وإذا عدنا إلى مسيرته خلال الموسم الماضي في البطولة الجزائرية، نجد أن اللاعب تعرض للعديد من العقوبات بسبب احتجاجاته المتكررة على الحكام، بل وصل به الأمر في إحدى المباريات إلى محاولة الاعتداء الجسدي على حكمة جزائرية، ما جعله عرضة للإيقاف والتغريم من قبل لجنة الانضباط، هذه الحادثة أعادت للأذهان مسلسل المشاكل الانضباطية الذي يرافقه منذ سنوات.
وفي هذا الموسم مع الترجي التونسي، واصل بلايلي نفس السلوك، حيث تعرض لعقوبات بالإيقاف وغرامة بعد احتجاجات حادة على قرارات تحكيمية وخروجه عن النص في أكثر من مناسبة، الأمر لم يختلف كثيرًا في محطاته السابقو، ففي فرنسا، فسخ ناديه عقده بعد خلافات تأديبية، و في قطر، لم ينجح في فرض الاستمرارية، وكانت خلافاته مع المدربين والإدارة سببًا مباشرًا في تراجع مستواه وخروجه المبكر من التجربة.
وبالرغم من أن مدرب المنتخب الوطني، فلاديمير بيتكوفيتش، سبق له التصريح بأن استبعاد بلايلي من التربصات السابقة كان لأسباب انضباطية بحتة، إلا أنه قرر منحه فرصة جديدة في تربص جوان الماضي، ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة هل سيجازف بيتكوفيتش باستدعائه في المونديال؟ وهل يمكن الوثوق في لاعب مهدد بالإيقاف عند أول إنذار؟ وهل يستحق المنتخب المخاطرة بنجم موهوب، لكنه دائم الصدام مع الحكام والإدارة الفنية؟
الصحافة العالمية بدورها لم تُغفل هذه التناقضات، فأينما حلّ بلايلي، تصاحبه العناوين “فنياته تذهل، لكن سلوكياته تقلق”، من الدوري الفرنسي إلى السعودي ثم القطري والجزائري والتونسي، تتكرر نفس السيناريوهات: “تألق داخل الملعب، ومشاكل خارجه”.
يوسف بلايلي ليس مجرد لاعب كرة قدم، بل ظاهرة كروية جزائرية استثنائية تستحق أن تُحتفى بها، لكن كل موهبة لا يضبطها الالتزام والانضباط، تُصبح قنبلة موقوتة، ومع اقتراب موعد كأس العالم، على بلايلي أن يختار طريقه بوضوح إما أن يكون عنصرًا مؤثرًا في الحلم الجزائري، أو يكون عنوانًا لخيبة تُروى بعد حين. فالموهبة وحدها لا تكفي… والانضباط هو مفتاح البقاء في القمة.