في أروقة دوري الدرجة الثانية الفرنسي “ليغ 2″، وبين جماهير نادي غانغون المتعطشة لرؤية فريقها يحقق المزيد من النجاحات، ظهر اسم جديد بات حديث وسائل الإعلام الفرنسية وصناع القرار الكروي. أمين حمية، اللاعب الجزائري الذي صنع لنفسه مكانة خاصة، رغم تأخره في الالتحاق بعالم الاحتراف، ليصبح أحد اكتشافات الموسم في فرنسا.
حمية، الذي لم يوقّع أول عقد احترافي له حتى سنّ الـ26، أثبت أن عالم كرة القدم يمكن أن يحمل مفاجآت عديدة حتى في الأعمار التي قد يظن البعض أنها تخطت ذروة التألق. وقع عقده الأول مع غانغون في جويلية الفارط، بعد موسم مميز مع نادي مارتيغ في دوري الدرجة الثالثة، حيث نجح في قيادة فريقه ليكون أحد أبرز اللاعبين، وهو ما لفت أنظار الأندية الكبرى. وبعقد يمتد حتى صيف 2027، بدأ حمية مشواره في “ليغ 2” بشكل قوي، مسجلاً أربعة أهداف في خمس مباريات، كل منها أجمل من الآخر.
والأمر الذي شد الانتباه بشكل أكبر هو أن جميع أهدافه جاءت بتسديدات صاروخية من خارج منطقة الجزاء، اتسمت بجمالها ودقتها، وكأنها تحاكي أهدافًا عالمية اعتاد المتابعون مشاهدتها من أفضل لاعبي النخبة.
بدأت قصة اللاعب الجزائري في أكاديمية نادي آنجيه الفرنسي، حيث كان يمني النفس بأن يكون ضمن قائمة لاعبي الفريق الأول، لكن الصدمة كانت كبيرة عندما لم يحصل على أي فرصة حقيقية لإظهار مهاراته. كان عليه حينها مواجهة مصير غامض في دوري الهواة، متنقلاً بين أندية مغمورة في الدرجة الخامسة، دون أن يستسلم. حمية لم يُخف مرارة تلك المرحلة قائلاً: “العبور من عالم الهواة إلى عالم المحترفين لم يكن سهلًا، لقد عملت كثيرًا وبجد وأنا سعيد جدًا لأن هذا الهدف تحقق أخيرًا”.
رغم كل تلك الصعوبات، وجد حمية دعماً استثنائياً من لاعب كبير ونجم سابق في سماء الكرة الفرنسية. إنه جون بيير بابان، الفائز بالكرة الذهبية عام 1991، والذي كان مدربًا لحمية في نادي شارتر خلال فترة لعبه في دوري الدرجة الخامسة. تلك العلاقة التي كانت أشبه بدرس خصوصي في فنون الكرة، إذ كان بابان يُفصّل لحمية كل خطوة على أرض الملعب، ويمنحه الثقة التي افتقدها سابقًا. بابان لم يختفِ من حياة حمية بعد مغادرته شارتر، حيث ظل على تواصل دائم معه، يتابع تطوره عن كثب، ويهتف له بعد كل هدف يسجله.
في حديثه عن نجم ميلان الأسبق، قال حمية: “أجل، لقد تعلمت منه الكثير في شارتر. يصر دائمًا على إنهاء الهجمات ولقد عملنا كثيرًا أمام المرمى، وأنا ممتن له على ذلك”. وأضاف: “إنه يهنئني بعد كل هدف، خاصةً إذا كان يشبه أحد أهدافه. ما زلنا على تواصل من وقت لآخر، رغم أن الأمر بات أقل انتظامًا من ذي قبل”.
هذه النصائح لم تكن مجرد كلمات، بل كانت أسلحة استخدمها حمية ببراعة، مازجًا بين الهدوء أمام المرمى والقدرة على البحث عن الزوايا الصعبة لتعقيد مهمة الحراس، كما كان يفعل أستاذه الأسطوري. بابان، الذي عُرف بلمساته الساحرة أمام المرمى، ترك بصمته في أسلوب لعب حمية، ليصبح اليوم بمثابة مرشد روحي لهذا اللاعب الجزائري الذي تحدى كل التوقعات.
وبات الجمهور ينتظر المزيد من اللاعب الذي وجد نفسه محط أنظار الجميع في فرنسا، من مشجعي غانغون إلى مراقبي الأندية الكبرى. أسلوب لعبه الذي يجمع بين القوة في الوسط والقدرة على إنهاء الهجمات بلمسات ساحرة جعل منه هدفًا محتملًا لأندية الدرجة الأولى في المستقبل القريب.
وفي نهاية المطاف، حمية الذي عاش لحظات الشك، تجاوزها اليوم ليعيش لحظات التألق، ويثبت أن الصبر والعمل الجاد قادران على تغيير مسار أي لاعب، مهما كان حجم التحديات التي واجهته في مسيرته.