ما نشهده اليوم في الملاعب الجزائرية، وتحديدًا بين جماهير مولودية الجزائر واتحاد الجزائر قبل الداربي أو شباب بلوزاد ومولودية الجزائر أو شباب قسنطينة اتحاد الجزائر وغيرها الكثير، ليس مجرد احتقان عابر أو شجار محدود. إنه انعكاس عميق لتحولات اجتماعية وثقافية تتطلب دراسة وتفكيكًا.
من شغف إلى تعصب
كان التشجيع يومًا رمزًا للوحدة. كان الملعب مسرحًا لشحنة حماسية بين المناصرين، لكنها تنقضى كما تنقضى اللحظات المثيرة، لتختتم عند صافرة الحكم بنهاية التسعين دقيقة.
أما اليوم، فقد تغيرت الصورة. أصبحت كرة القدم بالنسبة للشباب الجزائري أولوية تتجاوز جميع أبعاد حياته الأخرى، حتى أضحت الشغف الأعمى الذي يدفعه للتعصب. هذا التغيير ليس عفويًا، بل هو نتيجة تراكمات ثقافية وإعلامية ساهمت في خلق وعي زائف.
صفحات التواصل والإعلام غير المحايد
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة للتقارب أو الحوار. أصبحت منصات للتحريض والتلاعب، حيث تُغذَّى الانقسامات وتُضخَّم الخلافات. بعض الصفحات الإعلامية غير المحايدة تضخّم الروايات، وتعيد كتابة التاريخ وفق أجنداتها، مما يزيد من شحن الجماهير. تُبث رسائل تُشكك في تاريخ الأندية، تُزرع الكراهية بدلًا من الفخر، وتُغذي العصبية بدلًا من المنافسة الشريفة.
كرة القدم كهدف أم وسيلة؟
الهدف الأساسي من كرة القدم كان دائمًا قضاء وقت ممتع، وتبادل الفرح بين الإخوة. في نهاية المباراة، سواء انتصرت أو خسرت، لكن حين تُختزل الحياة في 90 دقيقة فقط، وتصبح الرياضة معركة إثبات ذات وعداء، تضيع الغاية الحقيقية. ما نراه اليوم هو أن المشجع بات ينخرط في صراعات لا تعود عليه بأي منفعة، بل تكبّده خسائر نفسية واجتماعية.
دورنا كمجتمع وإعلام
إن الخروج من هذه الأزمة يبدأ بإعادة تعريف العلاقة بين الرياضة والمجتمع. ينبغي أن نعيد النظر في الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام، وفي الرسائل التي تُبث للجماهير. يجب أن تركز الجهود على صناعة وعي جماعي يدعو للتسامح ويُبرز القيم النبيلة لكرة القدم.
كرة القدم في جوهرها لعبة، وبينما تشهد الملاعب اليوم توترًا متزايدًا واحتقانًا يهدد نسيج المجتمع، يبقى الأمل في استعادة الروح الرياضية التي تجمع ولا تُفرق. علينا جميعًا، كإعلاميين ومثقفين ورياضيين، أن نعيد للملاعب دورها كمساحة للفرح، لا كمنصة للصراع. فحين تنتهي المباراة، تبقى الأخوة هي الهدف الأسمى.
تمضي المباراة، ويبقى الوطن.