تعيش بطولة كأس العالم للأندية 2025 المقامة حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية على وقع ظروف مناخية غير مستقرة، أثرت بشكل مباشر على سير المباريات وأربكت التنظيم في أكثر من مناسبة. عواصف رعدية، أمطار غزيرة، ودرجات حرارة مرتفعة، كلّها عوامل تحوّلت إلى مشهد يومي داخل ملاعب البطولة، ما فتح الباب أمام موجة من الانتقادات الحادة الموجهة إلى “الفيفا” واللجنة المنظمة.
آخر فصول هذه الاضطرابات جاء خلال المواجهة التي جمعت بين تشيلسي الإنجليزي وبنفيكا البرتغالي في الدور ثمن النهائي. المباراة توقفت في الدقيقة 85 بسبب سحب رعدية كثيفة غطّت سماء مدينة كارولاينا الشمالية، الأمر الذي استدعى إخراج اللاعبين وإخلاء المدرجات، تنفيذًا للبروتوكول الأمريكي الصارم الذي ينص على تعليق أي نشاط رياضي عند رصد برق على بُعد 13 كيلومترًا من محيط الملعب. توقف اللقاء لما يزيد عن ساعتين، قبل أن يُستأنف لاحقًا ويفوز تشيلسي بنتيجة 4-1، في مباراة تجاوزت زمنها الإجمالي خمس ساعات، وهو ما دفع مدرب الفريق اللندني، إنزو ماريسكا، إلى وصف ما حدث بـ”العار في كرة القدم الحديثة”.
المباراة المذكورة لم تكن الأولى التي تتأثر بالطقس، بل تأتي ضمن سلسلة من التوقفات والانقطاعات التي طالت سبع مباريات منذ انطلاق البطولة، من بينها مواجهة باتشوكا وريد بول سالزبورغ، وأخرى جمعت بين أولسان الكوري وصن داونز الجنوب إفريقي. التأخيرات شملت بداية المباريات وكذلك الأشواط الثانية، وسط حالة من التذمر الواضحة لدى اللاعبين والمدربين، في وقت تُواصل فيه “الفيفا” الالتزام بالبروتوكول الأمريكي الذي يفرض توقّفًا إلزاميًا لمدة 30 دقيقة عند كل إنذار، وهي مدة تتجدد تلقائيًا عند استمرار الخطر.
هل أمريكا جاهزة لمونديال 2026؟
ما يحدث حاليًا في كأس العالم للأندية أثار الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة الولايات المتحدة على احتضان بطولة كأس العالم 2026، التي ستنظمها بالشراكة مع كندا والمكسيك. صحيح أن تنظيم مونديال الأندية يعتبر تجربة مصغّرة قبل الحدث الأكبر، إلا أن ما ظهر حتى الآن من عراقيل مناخية ومشاكل تنظيمية يبعث برسائل مقلقة، خاصة في ظل غياب حلول تقنية حقيقية تُمكن من مواجهة هذه الظروف، على غرار ما فعلته قطر في مونديال 2022 من خلال تكييف الملاعب وتهيئة الظروف المحيطة.
الحرارة المرتفعة التي لامست 40 درجة مئوية في بعض المباريات، أرهقت اللاعبين ودَفعت اتحاد اللاعبين المحترفين للمطالبة بمراجعة توقيت المباريات وزيادة فترات الراحة، خصوصًا أن بعض اللقاءات بُرمجت في توقيت الظهيرة. وبينما يقرّ الجميع بأن الأولوية هي لضمان سلامة اللاعبين والجماهير، إلا أن استمرار هذه الانقطاعات الطويلة يضرّ بجمالية اللعبة ويؤثر على تركيز الفرق ويشوّش على مبدأ العدالة التنافسية.
الانتقادات لم تتوقف عند الجانب الفني، بل طالت حتى تنظيم الجدول، إذ لم تتمكن “الفيفا” من ضمان لعب آخر مباريات دور المجموعات في نفس التوقيت داخل بعض المجموعات، وهو مبدأ أُقر منذ فضيحة التلاعب بنتائج مباريات مونديال 1982 بين ألمانيا والنمسا، والتي أضرت آنذاك بالمنتخب الجزائري. ورغم التقدم الكبير في تنظيم البطولات، إلا أن العوائق المناخية أعادت النقاش حول النزاهة إلى الواجهة.
الخضر أمام تحدي فريد من نوعه
في خضم هذه الفوضى التنظيمية والمناخية، لا يمكن تجاهل انعكاسات ما يحدث على المنتخبات الإفريقية والعربية، وعلى رأسها المنتخب الوطني الجزائري الذي يسعى للعودة إلى كأس العالم في نسخة 2026. التصوّر البسيط بأن “الخُضر” قد يجدون أنفسهم في مباراة حاسمة أمام منتخب كبير، ثم تُجبر المباراة على التوقف في الدقيقة 75، يُثير الكثير من المخاوف، ليس فقط من جانب التأثير البدني، بل من الجانب الذهني والتركيزي أيضًا.
المنتخب الوطني، الذي يعتمد كثيرًا على حماسه وروحه الجماعية وانضباطه التكتيكي في مثل هذه المناسبات، قد يتأثر سلبًا بفقدان الإيقاع والضغط المتواصل، في وقت يمكن أن تستغل فيه المنتخبات الكبرى التوقف لتصحيح أخطائها وفرض أسلوبها من جديد. ولأن لاعبينا ليسوا معتادين على مناخ الولايات المتحدة، خاصة ما يتعلق بالحرارة المرتفعة والرطوبة العالية، فإن هذا قد يشكل عبئًا إضافيًا على الأداء.
أكثر من ذلك، فإن التأهّل وحده لن يكون كافيًا. فالاتحاد الجزائري لكرة القدم مطالب من الآن بوضع خطط تحضيرية خاصة للتأقلم مع الأجواء الأمريكية، سواء من خلال تربصات في مناطق مشابهة من حيث المناخ، أو عبر العمل على تجهيز اللاعبين نفسيًا للتعامل مع توقفات محتملة، قد تغيّر مجريات مباريات بأكملها. وفي ظل ما تشهده بطولة الأندية حاليًا، فإن هذا النوع من التحضير لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة.
