لم يكن ما تعرض له الدولي الجزائري يوسف بلايلي مجرد حادث عرضي في مطار باريس، بل تحول بسرعة إلى مادة دسمة لهجوم إعلامي فرنسي “إعتيادي” بدا كأنه جاهز ومعلب قبل حتى أن تعرف تفاصيل الحادثة.
فمنذ اللحظة الأولى، اصطفت كبريات وسائل الإعلام الفرنسية على خط واحد، تدين بلايلي وتحمله كامل المسؤولية، دون أن تنتظر روايته، أو أن تقدر أنه تصرف من باب الغضب دفاعا عن ابنه الصغير ، كما أظهرت بعض المقاطع لاحقا.
و لم تكتف هذه الوسائل بالإدانة، بل ذهبت نحو تشويه صورته والتحريض عليه، بأسلوب يفتقد للحد الأدنى من الموضوعية و المهنية، ويذكرنا بكيفية تعاملها مع الرياضيين المغاربيين حين تقتضي مصالحها السياسية ذلك.
الغريب أن الإعلام الفرنسي، الذي يطالب بفصل الرياضة عن السياسة حين ترفع أعلام فلسطين أو تذكر قضايا الهوية والتمييز، هو نفسه من يقحم الخلفيات السياسية في كل خلاف مع لاعب عربي أو إفريقي، ويوظف حادثا فرديا ليذكر المشاهد الفرنسي بـ”همجية الآخر”.
ازدواجية المعايير هذه ليست جديدة، ففي فرنسا، حين يخطئ لاعب فرنسي أبيض البشرة، تدرس “الضغوط النفسية”، وتستعرض ظروفه العائلية، أما حين يكون اللاعب من الضواحي، أو يحمل اسما مثل بلايلي، فالحكم يصدر فورا، والمقصلة جاهزة.
اللافت أيضا أن التقارير ركزت على صورة بلايلي مكبل اليدين، و غضت الطرف عن تدخل السفارة الجزائرية وتهدئتها للموقف، بل لم تشر من قريب أو بعيد إلى المعاملة السيئة التي تعرض لها ابنه، والتي كانت أصل المشكلة.
ورغم كل ما سبق، لا يمكن إنكار أن النجومية مسؤولية، وأن اللاعب الدولي، بحجم وتاريخ يوسف بلايلي، يجب أن يدرك أنه تحت المجهر دائما، سواء في المطار أو على منصات التواصل الاجتماعي.
ما نشره لاحقا على “إنستغرام”، من صور وتعليقات مستفزة، لا يخدم صورته ولا مصلحة قضيته، ويمنح خصومه فرصة للهجوم، ولو كان محقا في انفعاله.
وقد رأينا كيف أن تصريحات بسيطة من نجوم عالميين مثل كيليان مبابي، يحرص على ضبطها بعناية، بل أن الناخب الفرنسي ديدييه ديشان نفسه اعترف بأنه طلب من لاعبه الابتعاد عن الإعلام “لأن مستواه الثقافي لا يساعده”.
قضية يوسف بلايلي كشفت مرة أخرى أن الإعلام الفرنسي لا يزال أسيرا لنظرة استعمارية ومقاربة فوقية حين يتعلق الأمر بلاعبين من الجزائر والمغرب وتونس، لكن في المقابل، فإن اللاعبين أنفسهم –وعلى رأسهم بلايلي– مدعوون إلى تطوير وعيهم الإعلامي و التصرف بمسؤولية أكبر…فالموهبة وحدها لا تكفي، و الرد على الظلم لا يكون بردود أفعال قد تفهم بشكل خاطئ، بل بـرصانة تليق بلاعب دولي، وبنضج يسكت الألسن بدل أن يشعلها.
