تحوّلت كأس أمم إفريقيا للسيدات، التي استضافها المخزن، من مناسبة رياضية واعدة لتسليط الضوء على كرة القدم النسوية في القارة، إلى منصّة مُحمّلة برسائل سياسية خفية وممارسات تنظيمية مشوّشة. ففي وقتٍ كانت فيه الأنظار تتجه نحو تطوير اللعبة وتمكين المرأة في الرياضة، انزاحت البطولة عن مسارها الطبيعي، لتغرق في ارتباك تنظيمي، وتتحول إلى واجهة جديدة لبثّ دعاية استعمارية مرفوضة قانونيًا ودوليًا. لم تكن الهفوات مجرد زلات عابرة، بل جاءت كامتداد لنهجٍ يُصرّ على تسييس كل محفل رياضي، من أجل فرض خريطة لا يعترف بها أحد خارج حدود دعاية المخزن.
فوضى لوجيستية… والشريط اللاصق يفضح سياسة التبرير والتضليل
منذ صافرة البداية، بدأت تتضح معالم الفشل في التنظيم، حيث اشتكت عدة منتخبات من سوء الإقامة، وارتباك في البرمجة، وضعف في البنية التحتية. إلا أن الفضيحة الأبرز كانت في الملاعب، أين تم وضع شريط لاصق على كراسي معينة، منها تلك التي كانت مخصصة لبعثة المنتخب الجزائري.
وهنا دخل إعلام المخزن على الخط، محاولًا حرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية، متهما الجزائر زورًا بأنها طالبت بإخفاء اسم “المغرب” من المدرجات. لكن الحقيقة المؤكدة من داخل أروقة الكاف، أن الإجراء تم بطلب من لجنة التسويق التابعة للاتحاد الإفريقي، وشمل كل الملاعب ضمن خطة توحيد بصرية للإعلانات التجارية، لا علاقة لها لا بالجزائر ولا بأي خلفية سياسية.
لكن المخزن، وكعادته، أراد صناعة عدو خارجي لتبرير تخبطه التنظيمي، وتحويل الأنظار عن العجز الفاضح في تأمين الحدث في أدنى مستوياته اللوجستية.
المخزن غضب من خريطة مبتورة… ونسي أن المحكمة الرياضية هي من قررت
لم تمر الومضة الإشهارية الرسمية للكاف، التي عرضت خريطة القارة الإفريقية دون إدراج الصحراء الغربية ضمن أراضي المخزن، دون ضجة مفتعلة. إذ جنّ جنون الإعلام الرسمي، وهاجم الاتحاد الإفريقي، متهمًا إياه بالتواطؤ، والتعدي على “الوحدة الترابية”.
غير أن ما أغفله أو تجاهله النظام المغربي المخزني عمداً، هو أن حذف الصحراء الغربية من الخريطة لم يكن اجتهادًا سياسيا من الكاف، بل امتثالًا واضحًا لقرار قانوني نهائي صادر عن محكمة التحكيم الرياضي الدولية (TAS)، في ملف نهضة بركان، حيث جاء نص الحكم كالتالي: “لا يجوز إدخال رموز سياسية في المنافسات الرياضية، بما فيها الخرائط المتنازع عليها دوليًا.”
هذا القرار، الذي يُؤكد على منع ارتداء قمصان تحمل خريطة المخزن متضمنة الصحراء الغربية، يُلزم جميع الاتحادات الرياضية باحترام مبدأ حياد الرياضة وفصلها عن السياسة. أما غضب المخزن من تنفيذ حكم صادر عن محكمة مستقلة ومحايدة، فلا يُعبّر سوى عن رغبة مفرطة في فرض أوهام سيادية لا يعترف بها لا القانون الدولي ولا الواقع الميداني.
الصحراء الغربية… قضية تصفية استعمار لا ينفع معها قميص أو كرسي أو شعار
في العمق، تبقى الصحراء الغربية آخر مستعمرة في إفريقيا، بشهادة الأمم المتحدة، ومصنفة ضمن الأقاليم غير المستقلة، بانتظار تفعيل حق تقرير المصير. هذه ليست مجرد وجهة نظر، بل موقف دولي رسمي، تؤيده أغلبية دول العالم، وتدعمه قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية.
لكن المخزن، وكعادته، لا يفوّت فرصة رياضية أو ثقافية أو دبلوماسية دون أن يُقحم خريطته المزعومة في التفاصيل، من القمصان إلى الإعلانات، رغم رفض ذلك من طرف المؤسسات الدولية. ما حدث في البطولة الأخيرة ليس سوى مثال جديد لمحاولة فرض واقع سياسي بالقوة الناعمة، في خرق سافر للقوانين.
بدلًا من أن يركّز منظّمو البطولة على توفير ظروف احترافية تليق باللاعبات الإفريقيات، تم استغلال المنافسة كساحة لتثبيت مغالطات استعمارية، وتضخيم “وحدة ترابية” لا يعترف بها أحد، ما أساء للبطولة أكثر مما خدمها، وجعل التنظيم أقرب لحملة سياسية منه لحدث رياضي قاري.