في زمن كثرت فيه الاحتفالات وتناقصت المواقف، وفي عالم أصبح الترفيه فيه غالبًا على الواجب، قرر أنصار نادي مولودية الجزائر أن يشقوا طريقًا مغايرًا، طريقًا لا تسلكه إلا القلوب التي تنبض بالإنسانية والوعي، حين أعلنوا بقرار جماعي واعٍ عن إلغاء احتفالهم السنوي التقليدي، وتحويل كامل ميزانيته لمساندة الشعب الفلسطيني في غزة، الجريح المنكوب.
لطالما اشتهرت احتفالات أنصار مولودية الجزائر ببهجتها، أهازيجها، وألوانها التي تملأ الشوارع والساحات، غير أن هذا العام حمل رسالة مغايرة، لا صوت فيها إلا لصوت الضمير، فمع تزايد حجم المعاناة في غزة، واكتظاظ المستشفيات بالجرحى، ونفاد المواد الغذائية والأدوية، كان لا بد من وقفة، لا بد من فعل يتجاوز الكلمات والشعارات.
من هذا المنطلق، أعلن الأنصار، بالتنسيق الكامل مع جمعية البركة الجزائرية، عن إلغاء كل مظاهر الاحتفال، بما فيها الحفلات، العروض الفنية، والتظاهرات الجماهيرية، لم يكن القرار سهلا، لكنه نابع من قناعة راسخة بأن الفرحة الحقيقية لا يمكن أن تكتمل في ظل معاناة إخوتنا هناك.
الميزانية التي كانت مخصصة للاحتفالية سيتم توجيهها بالكامل لإرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى غزة، تشمل الغذاء، الدواء، والمستلزمات الأساسية، بإشراف مباشر من جمعية البركة، التي راكمت سنوات طويلة من الخبرة في العمل الخيري داخل الوطن وخارجه، هذه المبادرة جاءت لتؤكد أن العمل التضامني لا يحتاج إلى ثروات طائلة، بل إلى نية صادقة ووعي جماعي، وهو ما جسده جمهور المولودية بكل فخر.
وبينما اعتادت الجماهير على أن تكون في الصفوف الأولى للتشجيع، ها هي اليوم تثبت أنها أيضًا في الصفوف الأولى للعطاء، هذه الرسالة الإنسانية الراقية حملت عنوانًا كبيرًا.. “عندما يصمت الاحتفال، يتكلم الواجب”، وهي دعوة مفتوحة لكل من يرغب في المساهمة، حيث فُتحت قنوات التبرع أمام كل الجزائريين، للمشاركة في هذه الحملة المباركة، التي جعلت من حب فلسطين فعلاً لا شعارًا.
لقد أثبت أنصار مولودية الجزائر أن الانتماء لفريق لا يعني فقط ارتداء ألوانه أو ترديد نشيده، بل هو التزام أخلاقي وإنساني، يتجلى حين تفرض الظروف أن نكون أكثر من مجرد جماهير، وفي وقت يعيش فيه الشعب الفلسطيني أحد أصعب فصول تاريخه، جاءت هذه المبادرة لتجدد عهد الجزائريين مع فلسطين، عهد لا يشيخ ولا يخفت.
وهكذا، كتب جمهور المولودية صفحة مشرقة في سجل الوعي الجماعي، صفحة عنوانها: “الإنسان أولًا”، ووقعها آلاف القلوب التي اختارت أن تضيء ظلمة الحصار بوميض التضامن، في صمتٍ نبيلٍ أبلغ من كل هتاف.